والله غالب على أمره؛ والحمد لله رب العالمين | فإذا صح في الشاهد وجود أمور تفوق الإدراك الحسي عند الإنسان، فكيف يسوغ له أن يُخضِع الأمور الغيبية الاعتقادية لأحكام الحس، وقد حباه الله تعالى بالعقل الذي بإمكانه الالتحاد إلى طرق وأساليب أخرى لدرك حقية تلك الأمور التي بها يتميز المؤمن من المكذب؟! وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : " فتنة المحيا : هي أن يفتتن الإنسان بالدنيا ، وينغمس فيها ، وينسى الآخرة ؛ وهذا ما أنكره الله تعالى على العباد بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى |
---|---|
هذه هي سبيل من راودته المرية في مثل هذه الأمور؛ وقد أوضحها ابن خمير السبتي بقوله: « ولو أنصف مَنْ هذه حالُه لَأقرَّ أن الأمر كذلك؛ لكن قد يـمُنُّ الله تعالى عليه بأن ينظر في المعجزة نظرا جميلا، فتدلَّه على صدق الرسول —عليه السلام— في جميع ما أخبر به عن الله تعالى، ومما أخبر به عن أحوال القيامة والبرزخ، فيؤمن بما سمع منها على الجملة؛ فإذا اتسع قلبه خاطر الاستبعاد في التفصيل حتى يقول: كيف توزن أعماله وهي معدومة؟! ومن فتن الدنيا : الشبهات ؛ أن يقع في قلب الإنسان شك وجهل فيما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم | رواه أبو داود 4753 وأحمد — واللفظ له — 18063 |
فالحياة ثلاث: الحياة الدنيا، والحياة البرزخيّة، وهي دار القرار.
أبو الحسين الخياط ت بعد 300هـ | وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم |
---|---|
فإذا صح في الشاهد وجود أمور تفوق الإدراك الحسي عند الإنسان، فكيف يسوغ له أن يُخضِع الأمور الغيبية الاعتقادية لأحكام الحس، وقد حباه الله تعالى بالعقل الذي بإمكانه الالتحاد إلى طرق وأساليب أخرى لدرك حقية تلك الأمور التي بها يتميز المؤمن من المكذب؟! على أن لكل واحد أن يختار لنفسه ما يشاء، إذ لا إكراه في الدين | وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " 1684 ثانياً : يأتيه الملكان الموكلان به يسألانه عما كان يؤمن به في الدنيا عن ربه وعن دينه وعن نبيِّه ، فإن أجابهم بخيرٍ فذلك خيرٌ ، وإن لم يجبهم فإنهم يضربونه ضرباً شديداً أليماً |
وإذا انتقلنا إلى فحص مضامين السنة النبوية، فإن أقل ما يمكن أن توصف به نصوصها الدالة على ثبوت فتنة القبر هو أنها مستوفية لشرط التواتر المعنوي، أي أنها وإن كانت كل واحدة منها على حدة منتمية لصنف أخبار الآحاد، إلا أن جميعها يتوافق على تأدية المعنى ذاته، وعددها يُقدَّر بالمئات، وفاق عدد الصحابة الراوين لها الأربعين.
2لم يبق إذاً إلا الحكم بأن هذه القضية العقدية مندرجة حتما في إطار الجواز العقلي والأنطولوجي، أي ينطبق عليها الحكم بأنها من الممكن أن تكون وأن لا تكون؛ إذ قد تأكد أن العقل على انفراده ليس له سبيل إلى القطع فيها | والثالث: أن عذاب القبر على هوله لا يساوي شيئا بالمقارنة مع عذاب الآخرة الذي يعم الروح والجسد معا؛ فلا عجب في أن يصفه صاحبه بأنه رقود ويتمنى لو بقي فيه عندما يستيقن بأن العذاب الأكبر واقع عليه لا محالة؛ ولذلك قال تعالى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ 54 |
---|---|
ثالثاً : أمَّا ما هو السؤال الذي تسأله الملائكة في القبر فهو مبين في الحديث الآتي : عن البراء رضي الله عنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت به فرفع رأسه فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر ، ثلاث مرات ، - أو مرتين - ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا و إقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس حتى يجلسون منه مد البصر معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة يجيء ملك الموت فيقعد عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فإذا أخذوها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وذلك الحنوط فيخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض فيصعدون فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون: هذا فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فيفتح لهم فيستقبله من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي به إلى السماء السابعة ، قال : فيقول الله : اكتبوا كتاب عبدي في عليين في السماء السابعة وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيُجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم |
قال ابن حجر: قوله : " ومن فتنة القبر " هي سؤال الملكين.
10