قالَ: فَشَرِبْنَا وتَوَضَّأْنَا فَقُلتُ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَومَئذٍ؟ قالَ: لو كُنَّا مِئَةَ ألْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِئَةً | تكلّم الجمادات والحيوانات أخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنه منذ أُوحي إليه ما مرّ بشجرٍ ولا حجرٍ إلا قال له: "السلام عليك يا رسول الله"، فقد كان الشجر يُسلّم عليه ويُطيعه ويشهد له بالرسالة، وكذلك لمّا كان يدخل بين شعب الجبال وبطون الأودية؛ كانت تسلّم عليه فيردّ عليها السلام، وقد قال الدّلجي -رحمه الله- موضّحاً أن ردّه عليها السلام كان من باب المكافأة، وليس من باب وجوب ، وذلك لأنها ليست مكلّفة، وقد روى جابر -رضي الله عنه- أنّه حين كان وأبيه مع رسول الله في وادٍ؛ ذهب رسول الله كي يقضي حاجته، فتبعه جابر بإناءٍ من الماء، فإذا برسول الله لا يجد شيئاً يستتر به، فوجد شجرتان نحوه، فذهب إلى واحدةٍ منها وأمسك منها غصناً وقال: انقادي عليّ بإذن الله ، فتبعته وانقادت معه، ثم ذهب إلى الشجرة الأخرى فأمسك منها غصناً وقال لها كما قال للأولى، فانقادت معه وتبعته، حتى إذا اقتربتا من بعضهما وكان النبيّ في المنتصف منهما؛ أمرهما أن يلتئما، فالتأمتا جنباً إلى جنبٍ، فخرج جابر مخافة أن يشعر رسول الله بقربه، وجلس بعيداً، فإذا برسول الله مقبلاً والشجرتان قد افترقتا، وقامت كل واحدةٍ منهما على ساق، فوقف رسول الله وأشار برأسه يميناً وشمالاً، ثم أقبل على جابر، فقال: يا جابر، هل رأيت مقامي ؟ قال جابر: نعم يا رسول الله، فأمره النبيّ أن يذهب إلى الشجرتين ويأخذ من كل واحدةٍ منهما غصناً، فيجعل واحداً عن يمينه والآخر عن شماله، ففعل جابر ذلك وأخبر رسول الله، فقال له رسول الله: إنِّي مَرَرْتُ بقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ، فأحْبَبْتُ، بشَفَاعَتِي، أَنْ يُرَفَّهَ عنْهمَا، ما دَامَ الغُصْنَانِ رَطْبَيْنِ |
---|---|
إبراء المرضى جعل الله -تعالى- لنبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- مثل ما جعله لنبيّه -عليه السلام- من إبراء المرضى، فقد شُفيَ على يديه بعضٌ من أصحابه -رضي الله عنهم-، ومن ذلك شفاء عين عليّ -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر: لأُعْطِيَنَّ هذِه الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسوله وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسولُهُ قالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، قالَ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا، فَقالَ أَيْنَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ فَقالوا: هو يا رَسولَ اللهِ، يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قالَ فأرْسِلُوا إلَيْهِ، فَأُتِيَ به، فَبَصَقَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ في عَيْنَيْهِ، وَدَعَا له فَبَرَأَ، حتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ به وَجَعٌ، فأعْطَاهُ الرَّايَةَ | نبع الماء من بين أصابعه وضع رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- سهمه في يومٍ من الأيام في البئر في ؛ فتكاثرت فيه الماء، وقد تكرّرت هذه الحادثة حين وضع رسول الله يده في إناء الماء، فقد روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- فقال: عَطِشَ النَّاسُ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ منها، ثُمَّ أقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما لَكُمْ؟ قالوا يا رَسولَ اللَّهِ: ليسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ به ولَا نَشْرَبُ، إلَّا ما في رَكْوَتِكَ، قالَ: فَوَضَعَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَهُ في الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ المَاءُ يَفُورُ مِن بَيْنِ أصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ العُيُونِ |
.
29وينقسم علم الحديث إلى قسمين، وهما علم الحديث درايةً، وعلم الحديث روايةً، ويمكن القول أنّ علم الحديث روايةً أعظم العلوم وأشرفها، فهو علم يختص بنقل أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته، والاحتراز من الخطأ في نقلها، لمعرفة كيفية الاقتداء بأفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفاته، مصداقاً لقول : لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا ، ويُعدّ محمد بن شهاب الزهري شيخ الإمام البخاري مؤسّس هذا العلم، وأول من دوّنه التدوين العام، ومما يُكسب هذا العلم المزيد من الأهمية أنّ قواعد الأحكام الشرعية تُبنى عليه، ومن خلاله يتم تفصيل ما أُجمل من آيات | أهمية المعجزات جعل الله -تعالى- المعجزات دليلاً على صدق -عليهم السلام- وعلى الرسالة التي جاؤوا بها، فهي تأييدٌ من الله -عز وجل- لهم، وحجّةٌ قائمةٌ على الأقوام الواجب اتّباعهم لأنبياء الله وتصديق رسالتهم الحقّ، وهذه المعجزات خارقةٌ للعادة والمألوف، ومُجاوزةٌ لقدرات العبد، ومُبهرةٌ للعقول، فإن ثبتت النبوة من خلال المعجزات؛ عُلم أن هناك من قام بإرسال الرسل، فثبوت الدعوة والرّسالة يدلّ على وجود المُرسل، وخرق العادة لا يقدر عليه أحدٌ سوى الله -تعالى-، ولا يؤيّد الله -تعالى- أحداً بهذه المعجزات إلا أن يكون صادقاً، فصدق هؤلاء الرسل -عليهم السلام- ثابتٌ بالضرورة |
---|---|
وقال عنه العطار رحمه الله: "كان حافظاً للمذهب الشافعي وقواعده وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة، والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم وإجماعهم، وما اشتهر من ذلك جميعه وما هجر، سالكاً في كلها طريقة السلف"، وقد صنف الإمام النووي -رحمه الله- الكثير من الكتب ومنها: المنهاج، ، والروضة، والأذكار، وشرح صحيح مسلم، والأربعين النووية، وغيرها الكثير، وعاش حياته في خدمة الدين إلى أن توفاه الله في الرابع والعشرين من رجب عام 676هـ في قرية نوى | وكان أبو رافع بن أبي الحقيق تاجرٌ مشهورٌ في مكة المكرمة، وكان من أشدّ الناس عداوة للإسلام والمسلمين، فقد شكّل الأحزاب المعادية للمسلمين، وأمدّهم بالمعونة، كما تعرّض لرسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالأذى، وبعدما انتهى المسلمون من بني قريظة، جاءت الخزرج تطلب من رسول الله أن يأذن لهم بقتله، فأذن لهم رسول الله بذلك، ونهاهم عن قتل النساء والصبيان، فاجتمع من بني سلمة خمسة رجال وأمّروا عليهم عبد الله بن عتيك، وخرجوا فقتلوه، وفي طريق العودة وقع عبد الله فانكسرت ساقه، فربط عليها عصبة، ولما وصل إلى رسول الله، أمره الرسول أن يبسط رجله، فبسطها، فمسح عليها رسول الله، فشُفيت كأن لم يكن بها شيئاً |
ومن معجزات الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن الطعام يسبِّح بين يديه حتّى يسمع تسبيحه، فإنّ بركة نبيّ الله تصل إلى الأكل الذي بيده، فيشعر الطعام أنّه بيد خير الأنبياء، ويسبّح الله -تعالى- حتى يُسمع تسبيحه، وتسبيح الجمادات من المعجزات، ومن معجزاته أن زينب بنت الحارث وهي زوجة سلام بن مشكم؛ سألت عن أحبّ أعضاء الشاة لرسول الله، فقيل لها الذراع، فأحضرت شاةً ووضعت بها السّمّ، وأكثرت منه في الذراع، وقدّمتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما وضعتها له تناول من الذراع لقمة، فلم يستسِغ طعمها وأخرجها من فمه، وقال إنّ هذه الذراع أخبرته أنّها مسمونة، وكان معه بشر بن البراء وقد أخذ منها مثل ما أخذ النبي، ولكنه استساغ طعمها، ثم بعث إلى زينب فأتت واعترفت، وسألها عمّا دعاها إلى فعل ذلك، فقالت له إنها أردات أن تختبره إن كان ملكاً فيموت، وإن كنت نبيّاً فسيُخبَر بالسّمّ، فعفى عنها رسول الله، ومات بشر على إثر السمّ الذي تناوله.
13