إن الأثر إذن صنيع عوامل الاستحاثة، وكم هي الصحراء عامرة بالمستحثات وبصمات الأولين | إلى حدود منعطف منتصف القرن التاسع عشر ظل يُرى أن الفنان هو ذلك المبدع القادر على السيطرة على المادة وتطويعها لصالح منجزاته المحاكية للواقع المرئي بالقدر الأكبر |
---|---|
لا يحظى الأثر بمعنى واحد، فهو متعدد المقروئية | وحينما يختار الحيسن التجريد والأثر اشتغالا فهو يقيم قطائع مع كل تصوير يبتغي المحاكاة منهجا ولا يميل صوب إظهار اللامرئي، هذا الأخير الذي تعد الصحراء مكتنزة به، غير أنه يصعب في الكثير من الأحيان القبض على الأثر بين حبات الرمال |
لكن لماذا الأثر وليس شيئا آخر؟ جاء الحيسن إلى عوالم التشكيل من تخوم الصحراء، من أرض الأثر حيث يحيا ويموت، حيث يظهر ويختفي.
22حاول إبراهيم الحيسن بما استطاعه من تناصات ومنجزات وآثار أن يكتب الصحراء وأن يرسم معالم أثر زائل ومنفلت، وهو الواعي بما يمثله هذا المفهوم في المعاصرة، وما يربطه من دلالات وتاريخ في الصحراء | منذ زمن بعيد بدأ الفن بإنتاج شكل تعبيري بسيط: بصمة اليد، العامرة أو الفارغة |
---|---|
تبدو الصحراء خاوية لا حياة فيها ولا شيء ظاهرا غير الخواء، لكن هذه الصورة تشبه القشرة المموهة، حيث تخفي الصحراء عوالم مدهشة، لا في ذاتها فقط بل خاصة في ما تمنحه للذوات من فتح لآفاق التأمل في الخارج الموضوعي والداخل الذاتي، فيما تؤسس نوعا من الرمزية التي تختل جذريا عما اعتدناه سواء فكريا أو جماليا أو في تشكلاتها المادية واللامادية؛ إنها عالم من الأسرار التي استفاد منها الفن التشكيلي الحديث بشكل بالغ وساهمت في ثورته التجريدية، كما سنرى في تجربة الفنان التشكيلي المغربي إبراهيم الحيسن | نحتاج إلى الحفر عميقا بتأن في تلك الكثبان الرملية ليبسم لنا حظ أثر مضمر ومستثير |
إنها أثر يسكن بيننا منذ القدم، أثر شكل معالم الفن الأولى.
18فالواقع هو ما يوجد وليس ما هو غائب | يكمن سعي الحيسن إلى اتخاذ الأثر نهجا بصريا للتعبير عن رؤاه في كونه ابن الصحراء التي ترتبط بالمجرد والأفق المفتوح على كل الاحتمالات؛ فالصحراء نص مفتوح |
---|---|
والأثر تشكيليا ليس فقط ما كان وما ينقله الفنان إلى سنده، بل أيضا ما يصنعه بيديه وما تصنعه الصدف اللونية والتركيبية في العمل الفني | فأن تبدع كان يعني أن تكون قادرا على تصوير الخالد وإبرازه، أي أن تحاول مجاراة الواقع ومضاهاته، أن تكون عينا ترى ويدا تعيد صناعة ما تراه العين |
.
20